وسوم: ,


السحّ الدحّ امبوه!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

حين يحين وقت مهرجان التسوّق في المدينة لا أستطيع إلا أن أزفر بضيق وتذمّر. فالشوارع ستكون مزدحمة وسيتعيّن عليّ أن آخذ معي في السيارة السندويشات والكتب. لماذا؟ لكي أتسلّى بها في الساعات الطوال لقطع مسافة قصيرة لا يستغرق قطعها في العادة أكثر من 20 أو 30 دقيقة.

وهذا العام لم أملك إلا تذكّر صورة المسؤول الخبير حين تذمّر أحد المتصلين في لقاء معه من الإزدحام، فقال: “إن الزحمة في أوروبا أضعاف الزحمة هنا. إن الناس في باريس ولندن يستغرقون أكثر من 6 أو 7 ساعات أحياناً لقطع أحد شوارع المدينة!”. تصريح لا مسؤول يصدر عن مسؤول! وكأن علينا أن نستورد الإزدحام من تلك الدول بدلاً من أن نستورد وسائل النقل الإقتصادية مثل مترو الأنفاق!

المهرجان.. في المدينة الساحرة، التي غصّت وشهقت وزفرت واختنقت من كثرة الأغراب فيها. ألم يحن لهذه المتعبة أن ترتاح؟ ثم ..ما فائدة المهرجان؟ سؤال يدور في رأسي منذ أعوام طويلة. هممم لنرَ.. الترويج السياحي عن المدينة وتعريف العالم بالدولة الصغيرة التي تقبع على ضفاف الخليج. ولكن.. أذكر أنني التقيتُ في أحد المؤتمرات مع رجلين من النمسا، أخبراني أنهما يزوران مدينتي سنوياً منذ أكثر من أربعة أعوام. فسألتهما و”هل زرتما المدن المجاورة؟” قالا: “لا!” سألتهما: “ماذا تعرفان عن المدينة والدولة؟” فأجابا: “المراكز التجارية والفنادق.. وبنات الليل (وانتوا بكرامة)” فجعتني جرأتهما في هذا التصريح. وفجعني أكثر أن تكون هذه الصورة هي ما يرتسم في ذاكرة الزائرين! أين دور المهرجان في التعريف بالدولة والتراث والتاريخ، إذا كان القادمون والذاهبون يجهلون أبسط المعلومات عنها؟

نعود للسؤال: “ما فائدة المهرجان؟”.. رفع اقتصاديات المدينة؟ حسناً، أنا لا أفهم في الإقتصاد. أسمع أن المهرجان يدخل أموالاً هائلة، ولكني أرى أن الأسعار تزداد كل يوم، وأن المواطنين يقبعون في شقق مستأجرة، وأن خريجي الجامعات والكليات يقبلون الوظائف برواتب تقل عن الخمسة آلاف درهم ويركبون الهوندا والكورولا بالأقساط، بينما يتنعّم غيرهم بالسيارات الفاخرة على حساب أماكن العمل. نعم أنا أشعر بالحيرة، فبعد كل هذا، أين هذه الفائدة الإقتصادية لنا؟

وكلّه كوم.. ومهزلة افتتاح المهرجان في كل عام كوم ثاني. موسيقى صاخبة، ورقص على نغمات الروك آند رول، وراقصات مغمورات وشهيرات من أقصى الشرق واقصى الغرب بلباس يكاد لا يستر شيئاً. وزيطة وزمبليطة من كل بقاع الدنيا ما عدا مدينتي نفسها. ثم تأتي في الختام فتاة وحيدة ترتدي اللباس الوطني المنبوذ – ذرّاً للرماد في العيون- لتقول (مدينتنا.. مدينة السلام) لتعزف بعدها نغمات عالية ويصدح الغناء بالانجليزية. وحتى اسم المدينة الموعودة للمهرجان (فيستيفال ستي) هكذا.. وكأنه من العار أن نطلق عليها (مدينة المهرجان) وأن يُكتب ذلك بالعربية.

الجديد هذا العام.. اللوحات الإعلانية الضخمة التي تمتد بطول الجسور الضخمة بدون كلمة عربية واحدة. في الواقع، اشتقت للكلمات العربية، حتى وإن كانت هابطة في مستوى أغنية: “السّحّ الدّحّ امبوه” والتي تعبّر وببلاغة متناهية عن حال المدينة والمهرجان وربما تعبّر بقيتها عن أحد الحلول لهذه المهازل!

أتمنى من كل قلبي أن تتم متابعة القائمين على المهرجان ومراقبة فعالياته حتى يظهر بشكل جذّاب وصادق، حتى يكون مرآة تعكس عبق الحضارة الحقيقية، والتراث المشرّف.

ما رأيكم لو قمنا بعمل ورقة تعريفية عن المدينة والدولة بشكل عام بتصميم راقي، ونشرناها بين الأجانب الذين يزورون المدينة لأوّل مرة؟

تحياتي

أضف تعليقاً