وسوم: , ,


هزمهم.. وحده!

إنّ الناظر لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الجهاد الإسلامي في غزواته، ليقطع بلا شك أهمية وعظم غزوة بدر. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر في قصة حاطب رضي الله عنهما –كما في البخاري ومسلم- : “إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، ولكن رغم القيمة العالية لغزوة بدر الكبرى، فإن الملبّون للحج لا يذكرونها، بل يذكرون غزوة أخرى: “نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده”.. سبحان الله.. هزم الأحزاب وحده.
والحقيقة أنني دائماً أتفكر في أهمية غزوة الأحزاب الحقيقية، دائماً أتأمل ما درسناه عنها في المرحلة الإبتدائية فأجده لا يتجاوز فكرة أن الكفر ملّة واحدة، وأن غير المسلمين على ألوان مشاربهم يتحزبون ويتحدون ضد الإسلام والمسلمين، وأن المسلمين قد ابتلوا فيها بالخوف والجوع والبرد ثم نصرهم الله تعالى. هذا ما تعلمناه، الأبعاد العسكرية والإيمانية.. ولكن في الحقيقة يبقى بعد يستحق التوقف عنده، بل في رأيي يستحق أن نقف عنده أكثر من غيره.. البعد العاطفي لغزوة الأحزاب.

لننظر للآيات الكريمة رقم 10 و 11 من سورة الأحزاب:” إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)”.

لاحظ معي.. “زاغت الأبصار”، “بلغت القلوب الحناجر”، “تظنون بالله الظنونا”، “زلزلوا زلزالاً شديداً”.

ليس الحديث موجه لنا.. ولكنه موجه إلى الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، هؤلاء الذين زاغت أبصارهم، وبلغ بهم الخوف حد اليأس من النصر ولو للحظات قليلة يمر خلالها هذا الخاطر في عقولهم الطاهرة. “زلزلوا”.. لا توجد كلمة يمكن أن تعبر عن حالتهم أكثر من هذه.. التزلزل من الداخل، حيث واجهوا الخوف والجوع والبرد والأعداء وفوق هذا الظنّ الذي يتردد في نفوسهم. فأي مأساة أحاطت بهم وأوصلتهم إلى هذا الحد وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يمكن لنا أن نتخيل مجرد تخيل كيف كانت حالتهم النفسية؟

ثم ماذا حدث؟ نصرهم الله؟؟ كلا ليس نصراً فقط، بل .. “هزم الأحزاب وحده”. لم تكن الأحزاب ثلة بشرية من قبائل المشركين واليهود الذي حاصروا المدينة وحسب، بل كانت أحزاباً أكثر. أحزاباً من البرد والخوف والجوع، بل وحتى ذلك الشك الذي تسلل إلى نفوسهم خلسة. كل هؤلاء.. هزمهم الله، فاستحقت هذه الهزيمة التخليد على مدى الأجيال. نذكّر أنفسنا بها في التلبية كل عام، أن الله .. الله العظيم سبحانه قد هزم الأحزاب.

فإذا نظرتَ لحال أمتنا اليوم، وظننتَ ألاّ أمل، وافترضتَ أننا لا نستحق النصر، فتذكّر الأحزاب.. وتذكّر من هزم الأحزاب.. وحده!

تحياتي
أوشال

أضف تعليقاً