صديقي العبقري!

صديق عمري جاسم عبقري! وهذا ليس خبراً جديداً، فجاسم شخص مميز وذكي جداً. هو عبقري من الطراز الذي لا تقابله في حياتك سوى مرة واحدة إن حالفك الحظ. ولكن المصيبة أنه نفسه لا يعرف هذا فهو معتاد على كونه ذكيّ ومتميز. لم يكن مغروراً بل إنه حين يسمع عبارة إطراء أو ثناء على شيء قام بعمله، سرعان ما يرتفع حاجباه بدهشة صادقة ويقول ببساطة طفولية: “لم أفعل سوى المفروض”. وهو بتفوقه المتميز، وذكاءه اللامحدود، لم يتغير كثيراً عن أول يوم دخل فيه مدرستنا الإبتدائية حين انتقلت إسرته لحيينا. أما أنا فقد كنت طوال حياتي -ولا زلت- البليد الكسول الذي ينجح بفارق بسيط عن حافة الرسوب! ولكننا على الرغم من اختلافنا الشديد تصادقنا والأغرب أن أحداً منا لم يؤثر في الآخر، فلا أنا اكتسبت بعضاً من تفوّقه وفطنته، ولا هو تعلّم مني البلادة والكسل.

البارحة تسلم من إدارة المؤسسة التي نعمل فيها معاً، قراراً بترقيته للمرة الثالثة في مدى خمسة أعوام قضيتها أنا بين الخصومات الجزائية والانذارات. وقد دخل مكتبي في الصباح ليخبرني بهذا النبأ قائلاً: “لقد تسلّمتُ قرار الترقية اليوم يا محمد”. كان من عادته أن يقول الأخبار السعيدة بتعاسة والحزينة بمرح، فأجبته: “نعم ومن يسمع صوتك، يظن أنك تنعي إلي قريباً”، لم يجبني، بل تابع ببؤس: “وكيف لي أن اتم البحث الذي بدأته عن الدوائر الكهرومغناطيسية، واستخدامها لقراءة الأفكار!” هززت رأسي دلالة الموافقة على الرغم من أنني –كالعادة- لم أكن أعرف شيئاً عما يتحدّث عنه، فجاسم أنسان مثقف  متعدد المواهب في المجالين العلمي والأدبي، له عقلية جبارة، يعرف كيف يفكّر، وكيف يستخدم عقله، وقد أعد العشرات -ولعلها المئات- من الأبحاث التي ربح عنها عشرات الجوائز والأوسمة طوال حياته الدراسية والمهنية. جلس على طرف المكتب مقابلاً لي، وهو يقول: “ما رأيك لو نأخذ إجازة لمدة عشرة أيام، ونرحل خارج المدينة؟” كنتُ سأرحّب بالطبع ولكن رئيسي المباشر لم يكن ليمنحني إجازة لمدة عشر ثوان، فقد تغيّبت بما يكفي هذا الشهر. فأجبته: “لا أستطيع هذا الشهر، ربما في الشهر المقبل، ما رأيك؟” وافقني بحركة بائسة من يده، ثم خرج مسرعاً كما دخل.

اعتدنا أن نقضي فترة ما بعد صلاة العشاء معاً. وفي هذه الليلة، جلسنا في أحد القوارب التي تطوف خور مدينة دبي في المساء لتنزّه الراغبين بعد أن كانت قديماً تستخدم لنقل الناس بين الضفتين. وقد كان معنا في القارب الصغير عدد من الأشخاص الذين ملّوا مثلنا -أقصد مثل جاسم، فأنا أعرف كيف أمتّع نفسي جيداً- من روتين العمل. قطعنا بعض الوقت صامتين، وقد تشاغلت بقضم سندويش الشاورما، بينما قال جاسم: “أتعرف يا محمد، أحياناً أحسدك!”. نظرتُ إليه بدهشة، وهمستُ رغماً عنّي: “أنت تحسدني أنا؟؟!!” فكّرت جاسم المهذب، الذكي، الوسيم، الملتزم والمنظّم، يحسدني أنا المهمل البسيط؟ هزّ رأسه وهو يقول: “أتصدّق يا محمد، أنا لا أعرف كيف أعيش؟” أرسل نظره خلفي عبر البحر وتابع يقول: “ربما أكون ذكياً كما أعتدتَ أن تقول لي، ولكني أدفع ثمن هذه النعمة باهظاً للغاية. أنا لا أستطيع الاستمتاع بلحظة واحدة دون أن أشعر بالذنب، فأنا دائماً حين أشاهد فلماً في السينما أشعر أنني أضيع الوقت فيما لا يفيد. وهكذا لا أستمتع بحياتي أبداً، فأنا أحس أنه لا يحق لي ساعة فراغ واحدة أقضيها دون أن أقوم بشيء ما!”

كان صوته عميقاً صادقاً، ولأول مرة منذ عرفته قبل خمسة وعشرين عاماً أشعر نحوه بالشفقة، بينما قال: “ربما أكون شخصاً مميزاً ولكني دائماً كنتُ أرى حولك مجتمعاً صاخباً، بينما ليس لي من الأصدقاء سواك، كنت أشعر أنني باهت وممل إذا اجتمعنا بغيرنا، وحدك من بين جميع الناس تهتم بما أقول وتصغي إليه”، لم أعلّق على كلماته، وتابعت أكل السندويش وأنا أنظر إليه. قال بصوت حزين: “فلا تستغرب غداً إن بدأتُ بحثاً عن القوارب البحرية” قلت له ببساطة: “نعم مثل آلة تنظيف السبورة التي كنت تنظف بها السبورة من مقعدك، أتذكر؟”، لمعت عيناه للذكرى وهو يقول: “أجل، فقد كان أستاذ فتحي يطلب مني تنظيف السبورة باستمرار” قلت له ببراءة: “أنت محظوظ، فأنت تعرف ماذا تخترع عند الحاجة، أما أنا فالحاجة صديقتي الدائمة!!” ضحك ضحكة خفيفة، ثم لكزني مذكّراً: “ولكني أخترع كثيراً لحاجاتك أنت أيضاً!”. ابتسمتُ وأنا اتابع التهام السندويش، بينما تنهد وهو ينظر في الفراغ بيني وبينه وقال: “تلك الأيام.. تلك الأيام..”

حين أتذكّر هذه الأمسية أشعر بالذنب، فقد ذكّرت جاسم خلالها، بقريتنا القديمة، قبل أن ينزح من فيها للمدينة، ولعل الذكريات هزّته فقرر أن يزور جدته التي لا تزال تسكن هناك، وفي الطريق، انقلبت به السيارة ثلاث مرات في الهواء، خرج من الحادث حياً والحمدلله، ولكنه أصيب بكسور لا عدد لها، والأفظع هو ذلك الشلل الذي استعمر جسده تاركاً رأسه ويده اليمني -التي لا يعتمد عليها لأنها أعسر- أما يده اليسرى، وهي اليد الثمينة، صارت مجرّد جسم معلّق في كتفه لا سلطة له عليه ولا سيطرة.

صار جاسم المتألّق طريحاً في الفراش. وبعد سلسلة طويلة من العمليات، لتجبير ما يمكن من كسور عظامه، استيقظ من الغيبوبة ليعي ما حوله ويعي  يضاً حالته الصحية المتدهورة. ولا يمكن أن أنسى أبداً تلك النظرة الطويلة التي رمقني بها ذات صباح قبل أن يقول: “محمد، أنا لن أمشي!” كان يقول الجملة بحزن حقيقي، وألم صادق. على عكس عادته في قول المفاجع بمرح. وكانت هذه الجملة آخر ما سمعته بصوته، فقد أصيب باكتئاب شديد بعدها. ولم ينطق كلمة واحدة لأي شخص، حتى أمه التي كانت تعكف على الحديث معه باستمرار، دون جدوى. أنا نفسي قضيتُ معه أياماً وليالي، أحدّثه أحياناً، وأحياناً أخرى أقرأ له القرآن، وأنتقي الآيات التي تحث على الصبر والتوكّل على الله، ولكنه لم يكن يتفاعل معي أبداً. بعض الآيات كانت تمس فؤاده فيبكي بصمت، ولكنه في معظم الأحيان كان يكتفي بالحملقة في وجهي وأنا أتكلّم.

كانت حالته دقيقة للغاية، واستدعت بقاءه في المستشفى لعدة أشهر، ونظراً لصداقتنا الأقرب للأخوة منذ الصغر، فقد قضيت معظم الليالي معه. ولكنه نادراً ما كان ينطق بأي كلمة. حتى وإن نطق فلا تتجاوز كلماته كلمتيّ “نعم” أو “لا”. تم عرضه خلال هذه المدة على طبيب مختص في الأمراض النفسية والعصبية، واستطاع بفضل الله انتشاله من حالة الاكتئاب التي كان فيها. ولكنه كان قد بدأ يفقد الأمل في الحياة وفي الناس. وأصبح ينظر لنفسه على أنه دخيل لا يصلح لشيء. تحدّثت معه كثيراً عن الأمل والتوكل على الله والرضا بالقدر، كما حدّثه جميع الأصدقاء المخلصين، ولكنه لم يقتنع بحديث أحد. كان قليل الكلام، وإذا تحدث كان محور حديثه اليأس وخيبة الأمل.

ذات يوم دخلت غرفته في المستشفى، وكان يجلس على مقعده المتحرّك وقد أدار وجهه للنافذة. قال دون أن ينظر إلي: “من بين جميع الأبحاث والاختراعات التي قدّمتها للعالم، لم أتصور مدى فائدة اختراع بسيط مثل مقعّد مثبّت على عجلتين!” كنت قد اقتربتُ منه وجلستُ على المقعد المجاور له وأنا أقول: “أرجوك يا جاسم..” قاطعني: “ألا تفهم؟! لقد قمتُ بتركيب مئات القطع الدقيقة، والدوائر الكهربائية المعقّدة، ولم أتصور أن آلة من ثلاث قطع.. ثلاث قطع فقط قد تكون يوماً منفذي الوحيد للحياة.. ثلاث قطع تحبسني، وتقيّدني، تسيطر على حياتي وحركتي”. كنتُ أتمنى أن أستطيع أن أقول شيئاً يخفف عنه، ولكن توقفت الجملة تلو الجملة حائرة على لساني وأنا أنظر لصديق عمري ينهار شيئاً فشيئاً. صاح بيأس، وهو يضرب بيده اليمنى طرف المقعد: “حتى هذه التي تتحرك، لا أعرف كيف أكتب بها حرفاً واحداً. أنا عاجز. أنا عاجز يا محمد..” وضعت يدي على كتفه وأنا أهمس: “أهدأ يا جاسم، واستعذ بالله من الشيطان، لقد أنهكت نفسك أكثر من اللازم.”

قرر الأطباء، أن جاسم قد يشفى إذا خضع لبرنامج مكثّف في العلاج الطبيعي، وفعلاً داوم على ذلك لمدة أربعة أشهر، بضغط من والديه ومنّي. ولكنه انقطع عن حضورها فجأة، فكاد أطباؤه أن يصابوا بالجنون، فهو على وشك التحسّن وتجاوز عجزه. ولكنه اعتكف في غرفته رافضاً الاستجابة لأحد، ولم تجدِ معه كافة المحاولات لإرغامه على الحضور. وحين أخبرني الأطباء أنه لم يعد يحضر جلسات العلاج الطبيعي، اقتحمت غرفته التي سجن فيها نفسه، كان مستلقياً في السرير، يتأمّل الحائط أمامه. انفجرت صائحاً: “أنت جبان، أنت أجبن من رأيت، لمَ لا تموت؟؟ فالموت سيريحك ويريحنا..” رفع حاجبيه وقد صعقه كلامي، ولكني لم آبه له، وواصلت الصياح: “أنت كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وترفض طريق النجاة، لقد صارحني الأطباء أن حالتك تزداد سوءاً، وهي ستظل هكذا.. ولن تتحسن، لا لأن جسدك يرفض الشفاء، ولكن لأنك متخاذل جبان لا تريد..” قاطعني : “سهل عليك الكلام، فقد دخلت هنا على قدميك!” هززتُ رأسي في سخرية: “هه، وأنت أيضاً تستطيع أن تمشي على قدميك، ولكنك لا تريد، أن تفضّل أن تعيش هكذا، جميع من حولك يشفقون عليك، ويتألّمون لك، أنت تستمتع بكونك ضحية لحادث مروّع، بكونك عاجز، ولا تريد الاعتراف بهذا، أنت لست ضحية، بل أنت مهزوم، هزمك المرض، وليته قتلك!” كنتُ قد بلغتُ ذروة الغضب فعلاً، ولا أعرف كيف تفوّهت بما سبق، بينما قال بصوت مبحوح: “محمّد… ماذا تقول؟!”

تهالكت على المقعد المقابل له، ونظرت للحائط خلفه وأنا أقول: “عندما دخلتَ الصف لأول مرة، قلتُ في نفسي: هذا شخص مميز. لقد كنتَ ترتدي ملابس غريبة، وتحمل جبلاً من الكتب، ولكن حين جلستَ إلى جانبي في الفصل قلتُ في نفسي، هذا سيكون صديقي. ” نظرت إليه، كان قد بدا على وجهه التأثر.. أشحتُ عنه، وأسقطت نظري على الأرض: “لم أنتظر الأقدار، ولكني سعيت لصداقتك، فأنا من وضع الضفدع في حقيبتك المدرسية، ثم تظاهرت بانقاذك منه لما وجدتك تصرخ فزعاً.. فعلتُ ذلك لأكون مقرّباً منك.. لنكون أصدقاء”. رفعتُ نظري إليه، كان ينظر إلي صامتاً مدهوشاً، نهضتُ واقتربت من السرير: “طوال هذه السنين، كنتُ أحسد نفسي على صديق صادق مثلك. كانت أسعد أوقاتي هي التي أراقبك خلالها وأنت تصنع شيئاً أو تجرّب أمراً. كنت أرى ذلك الإصرار في عيني رجل إرادته حديدية، ألا تذكر تلك الطائرة التي أهديتها أخاك الصغير في العيد؟ تحطّمت ثلاث مرات قبل أن تتمكن من جعلها تطير فعلاً..” نظرت إلى عينيه مباشرة: “وقد جعلتها تطير! وإذا كنتَ تتساءل إذا  كنتُ أتمنى موتك فعلاً، فأنا أجيبك بأن جاسم الذي أعرفه صاحب الإصرار الفولاذي قد مات فعلاً في ذلك الحادث، وحل محله شخص بائس لاهم له سوى تعذيب والديه وأصدقاءه، وشخص كهذا لا يهمّني أمره..” نهضتُ وأنا أسير للباب : “ولا يهمني إن كان سيحاول النهوض، أو أنه سيبقى قابعاً في هذا المقعد!” وصفقت الباب، ومضيتُ دون أن أنظر خلفي. وقد تناهى صوته الضعيف لسمعي: “أنا أريد أن أموت..”

قررتُ أن أمتنع عن زيارته تماماً, وكنت أكتفي بالاتصال بأطبائه كي أطمئن عليه. وكانت والدته كثيراً ما تتصل بي ترجوني أن أزوره، ولكني كنت أحاول إفهامها أنني أمارس ضغطاً عليه. مضى أسبوع كامل، لم أره خلاله أبداً. أذهب للعمل، وامر على مكتبه الجديد الذي لم يهنأ بالعمل فيه سوى يومين. أخرج من العمل، يشغلني التفكير في أمره. أعود للمنزل في المساء، فتسألني أمي عن حاله فهي مثل أمه قلقة عليه، وأكذب عليها وأقول بخير.

في ذات ليلة، أيقظني رنين متواصل، ففتحت عيني بفزع، رفعت سماعة الهاتف: “محمّد..” كان صوته هادئاً واضحاً، جلست في السرير: “جاسم؟ ما الأمر؟”، نظرت للساعة، كانت قد تجاوزت الثالثة صباحاً، رد: “أردتُ أن أخبرك أنني استأنفتُ برنامج العلاج الطبيعي منذ يومين” صحت بفرحة عارمة: “حقاً؟”.. قال بصوت ينم عن ابتسامة واسعة: “نعم” صمتُّ قليلاً، ثم قلت مشاكساً: “و لكن ألا ترى أن الوقت متأخراً جداً لتخبرني بذلك؟” رد بنبرة يشوبها العتاب: “ظننتُ أني لن أجدك إلا في هذا الوقت، فأنا أتصل بك منذ يومين، ولا يجيب على هاتفك أحد”، لم أنطق لبرهة، بينما تابع بخبث: “ثم أنني فكّرت أن أعاقبك على ذلك الضفدع الذي أرعبني يوماً، بإزعاجك!” سادت فترة من الصمت، ثم انفجرنا ضاحكيْن. ضحكتُ ملء فمي، بينما كانت عيناي تبكيان. ثم قلت أخيراً: “يحسن بك أن تنام قبل أن يكتشف الممرض استيقاظك في هذا الوقت المتأخر. غداّ سأزورك، فقد عاد صديقي جاسم للحياة”.

في الأسابيع التالية، تحسن وضع جاسم بشكل ملحوظ، وقد بدأ يحرّك أصابع يده اليسرى قليلاً، ثم عادت يده إلى طبيعتها خلال ثلاثة أشهر، بل وتمكّن من السير مستنداً على عكازين، وقد صرّح له الطيبب بالخروج بعد أن طمأننا على أنه سيتمكن من الاستغناء عن العكازين إذا واظب على التمارين والعلاج الطبيعي.

عاد جاسم للعمل، وبدأ ينظر للحياة بنظرة متفائلة، لقد غاب عن العمل مدة ثمانية أشهر وأكثر. ثمانية أشهر كادت أن تغير حياته، وربما تنهيها. وبعد خروجه من المستشفى بشهرين مررتُ عليه لأصحبه للعمل كما اعتدنا كل صباح، وافترقنا عند الممر، وذهب كل إلى مكتبه، وقد عملتُ بنشاط أثار تعجب وإعجاب رئيس القسم، وبعد ثلاث ساعات، دخل جاسم مكتبي، وأخذ يسير في الغرفة مستعرضاً دون عكازين! صحت بفرح: ولكن أنت لم تخبرني” لم يعلّق -كعادته- ومد يده إلى جيبه، وأخرج علبة صغيرة الحجم، ووضعها أمامي على المكتب. فسألت بفضول: “ماهذه؟” قال: “و كيف لك أن تعرف والعلبة مغلقة؟” فتحتها بسرعة فإذا فيها رقيقة من رقائق الكومبيوتر، ولما تفحصتها تبين لي أنها من النوع الذي يزيد السرعة، نظرتُ إليه متسائلاً، فقال ببساطة: وهل كنت تظن أنني سأقبع في السرير لأشهر طويلة دون أن أفعل شيئاً!” ابتسمتُ باستسلام: “كيف فاتني ذلك؟”

استند على طرف المكتب، وقال: “أتعرف يا محمد، أنتَ صديقي الوحيد في هذه الدنيا، وحين انقطعتَ عن زيارتي في المستشفى، شعرتُ بأن الخيط الذي يربطني بالحياة سينقطع. ساعتها فقط أدركت أنني فعلاً مميز، ليس لأنني ذكي ومتفوّق كما تقول أنت، ولكن لأن لدي صديقاً يحبني ويهتم بي كما تقول أمي”، نظرتُ للرقاقة في يدي، وتمتمت: “لستُ أدري من منّا هو المحظوظ فعلاً، ولكننا سنبقى أصدقاء”، وبدا أنه لم ينصت إلى آخر جملة نطقتُ بها، إذ أنه مد يده عبر مكتبي، وأمسك بحامل الرسائل، ثم قال بحماس:”ألا تظن أن هذا يحتاج إلى شيء من التحسين؟”

– تمت-

أوشال

أضف تعليقاً