وسوم: ,


رسّامو وصانعو الآلهة – 1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

إن أغرب الغرائب وأعجب المشاهد التي يمكن أن تذهل الإنسان في مختلف بقاع الأرض، تتحول في الهند إلى شيء عادي يألفه السكان ولا يدهش الناس! ولعل أبرز هذه المشاهد العجيبة هو صنعهم للآلهة! فمن المناظر المألوفة جداً أن تجد رجلاً يجلس بجانب شجرة مثلاً، ويقطع من جذعها قطعة خشب، ثم يلوّنها ويجلس يسجد لها وخلال خمسة دقائق، تجد حوله ثلاثة أو أربعة رجال يتمتمون معه!

ومن القصص الطريفة التي قصّها عليّ والدي أطال الله في عمره، أنه كان يجلس في أحد الأسواق في الهند. وهو يحب ذلك لأن الأسواق تعطي فكرة جيدة عن أحوال البلد الإجتماعية والإقتصادية. وفي ذلك اليوم، جاء رجل ملابسة ملطّخة بالألوان، يحمل حقيبة قديمة ممزقة ولوحات، ومكنسة صغيرة. ولما كانت هيئة الرجل عجيبة، فقد استرعت انتباه والدي على الفور، وجلس يراقبه.

بدأ الرجل بكنس مساحة من الرصيف بهمّة ونشاط، ثم أخرج مجموعة ألوان من حقيبته، وبدأ يلوّن ويرسم صوراً على الأرض. كانت الصورة لإنسان عملاق متعدد الأذرع، وهي صورة ترمز لإله مقدّس عند الهنود من غير المسلمين. وكان يبتعد عن موقع الرسم بين حين وآخر وينظر إليه من بعيد، ويهزّ رأسه ويعود ليضع خطاً هنا ودائرة هناك حتى ابتسم راضياً في النهاية. ولما انتهى، وضع إناء معدنياً صغيراً على الأرض بجانبه، وجلس يتعبّد بكل خشوع وخضوع، وهو يشير للإله المرسوم على الأرض!

وأخذ الناس يتجمعون حوله، ويعبدون الإله الجديد معه. وكان بعض المارة يلقي قطع نقود معدنية في الإناء الصغير شكراً وعرفاناً للرسام المقدّس. وظل على هذا الحال مدة من الزمن. حتى جاءت امرأة مجنونة، اعتاد أبي على رؤيتها في هذا السوق بين فترة وأخرى، واسترعى الرجل انتباهها على الفور، فتوجّهت نحوه، وفي حركة رياضية فريدة من نوعها، استولت على الإناء بما فيه من نقود ووقفت في منتصف الطريق بمحاذاة القطعة التي أصبحت مقدّسة خلال النصف ساعة الأخيرة. فما كان من الرسام المبدع إلا أن قفز خلف نقوده وهو يدوس على إلهه، ويشد الإناء والنقود من المرأة. واشتبكا في مشاجرة حامية، وكانت أقدامهما تطأ الإله المسكين وتفسد ألوانه ورسوماته.

وأمام هذا الموقف الذي تختلط فيه نزعات الشيطان بقداسة آلهتهم، ما كان من أبي إلا أن قفز يفرّق بينهما وهو يصيح: “تومارا باقوان” وهي تعني “إلهكما..!” وقصد بها التنبيه، ولكنهما ظلاّ على حالهما، المال عندهما أثمن من الإله، حتى وإن كان هذا المال قد دُفع لأجله!

كم من الأشياء في حياتنا نصنعها بأيدينا لتصبح وبالاً علينا؟

تحياتي

أضف تعليقاً